الدكتور مجدي يعقوب؛ أجرى أول وأخطر عملية جراحة

الدكتور مجدي يعقوب (Magdi Yacoub)؛ أسطورة جِراحة القَلب العالميَّة. الطّبيب المَصري والإِنسان الذي أنشَأ مؤسسة مجدي يعقوب للقلب، وذلك بعد عقود تحدَّث فيها العالم عن إنجازات مجدي يعقوب. لكن ما قِصّة ماريان يعقوب، الجرح الذي أخفاه ملك القلوب وطبيبها في قلبه. ومن هم أبناء مجدي يعقوب؟ ولماذا اختار جراحة القلب دون سواها؟ وما هي الألقاب التي حصل عليها؟

من هو الدكتور مجدي يعقوب (Magdi Yacoub)؟

لا يمكننا أن نبدأ الحديث عنه كما نعرّف بأي شخصيّة أخرى. لا يمكننا أن نكتب عنه تعريفاً بدون أن نضع في الكلمات الرّوح. كيف وهو الإنسان الذي أعاد النّبض لقلوب كانت على وشك أن تفارق الحياة؟ إنّه ملك القلوب وسيّدها جرّاح القلب المصري الدكتور مجدي يعقوب، البروفيسور العربي الحاصل على الجنسية البريطانيّة.

الولادة والنشأة

ولد جرّاح القلوب بتاريخ السّادس عشر من نوفمبر لعام 1953 ابناً لأمّ الدّنيا جمهورية مصر العربيّة. مكتسباً من شموخ الأهرامات عزّتها ورفعتها وتفرّدها. ثمّ عاش سنوات حياته الأولى في مدينة بلبيس المصريّة أحد أقدم مدن مصر وأعرقها. كان والده جرّاحاً أيضاً ومتخصّصاً في الجراحة العامّة. لكنّه لم يختَر نفس تخصّص أبيه لسبب سنعرفه في هذا المقال.

دراسته للطب وعمله

بدأ دراسة الطّب البشري في جامعة القاهرة. ثمّ انتقل بعد ذلك إلى الولايات المتّحدة الأمريكيّة مكمّلاً اختصاصه في جراحة القلب في شيكاغو، ثالث أكبر مدينة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة. وبعد ذلك انتقل إلى أوروبا حيث حطّ رحاله في بريطانيا عام 1962 ليبدأ عمله في أهم مستشفى لجراحة الصّدر بلندن وأكبر مركز لزراعة القلب في أوروبا.

معوقات تجاوزها الدكتور مجدي يعقوب

بالتأكيد لم يستقبل أحد الدكتور مجدي يعقوب بالصّيحات والهتاف، فلربّما رحلة النّجاح تحتاج لمثل هذه المحطّات ليثبت الشّخص تفرّده وجدارته. ذلك أنّه عندما وصل ملك القلوب إلى لندن قيل له أنّه لن ينجح في جراحة القلب، وبأن “القلب سيصعب عليه” ونصحوه بالعودة إلى مصر. ولكن بعدما لاحظوا شغفه واندفاعه ومهاراته المتفرّدة تمسّكوا به. وهكذا بدأت رحلة حياة وقودها الشّغف، وانهالت الإنجازات التي لم تتوقّف عند إجراء عمليات معقّدة بل تعدّتها لخلق عصر جديد في جراحة القلب.

سبب اختيار الدكتور مجدي يعقوب لجراحة القلب

برغم أنّ والده كان جرّاحاً متخصّصاً في الجراحة العامّة، كان مجدي يعقوب الطّفل يحيك خيوط غرامه بعيداً عن جراحة البطن فقد كان يحلم بجراحة القلب منذ نعومة أظفاره. وتعدّى هذا الشّعور الحبّ ليبلغ الهوس ولكن كان وراء هذا الشّغف الجارف قصّة حزينة. تحدّث عنها ملك القلوب في لقاء متلفز فكيف لا تكون خسارة الأحبّة هي الدّافع الأكبر لصنع المستحيل.

عندما يصنع المرض طبيباً أسطورة

في الطّب البشري هناك مرض إنتاني خمجي يسمّى الحمّى الرّثوية. وهو نوع من الحمّى ينعكس تأثيرها السّلبي الأكبر على صمّامات القلب. والذي حدث أن عمّة الدكتور مجدي يعقوب أصيبت بالحمّى الرّثوية في بداية عقدها الثّالث، الأمر الذي أدّى لتضيّق صمّام قلبها. ثمّ وفاتها فيما بعد.

يذكر الدكتور مجدي يعقوب أن رحيلها كان مؤلماً وعمّق جراح والده الذي أوشك على الانهيار. في الوقت الذي سمع فيه ملك القلوب أنّه لو كان بإمكان أحد إجراء جراحة استبدال الصّمام لما توفّيت عمّته. وكانت تلك الشّرارة التي أوقدت نار عشقه لجراحة القلب فراح يسعى ليلاً نهاراً لبلوغ مجده كي لا يموت الأحبّة كما توفّيت عمّته.

الألم يولد الإبداع

لربّما أراد الدكتور مجدي يعقوب أن يوصل رسالة في قصّة اختياره لجراحة القلب هي أنّ الألم هو الذي خلق كلّ هذا الإبداع، الألم العبقري الذي تحدّث عنه وعيونه تلمع بالإصرار. ويبقى السؤال ماذا لو لم تمُت العمّة بمرض قلبها، هل كنّا سنشهد أسطورة تضيف لتاريخ جراحة القلب سطوراً من الذّهب؟

إنجازات الدكتور مجدي يعقوب

إن إنجازات الدكتور مجدي يعقوب يصعب ذكرها في سطور. فهو الرّجل الذي تنفّس جراحة القلب وعاش عليها. لذلك، كانت كل دقيقة في رحلة حياته حافلة بالإنجازات. كيف لا وكلّ ثانية ينبض بها قلب مريضه تحسب له إنجازاً. وكل دقيقة يعيش فيها طفل بعد جراحة قلبه تحسب له إنجازاً.

ونذكر أهمّ إنجازات ملك القلوب، على سبيل المثال:

• في البداية، عندما عمل في بريطانيا. عيّن مستشاراً متخصّصاً في أمراض القلب والصدر في مستشفى هارتفيلد.
• ثمّ قاد أكبر برنامج لزراعة القلب في مستشفى هارتفيلد مجرياً ما يفوق 1000 عملية سنوياً.
• بعد ذلك، أصبح برتبة بروفيسور في المعهد الوطني لأمراض القلب والرّئة.
• أجرى أكبر عد من عمليات الزّراعة النّاجحة على مستوى العالم. ثمّ جعل بذلك المستشفى المذكور من المشافي الرّائدة على مستوى العالم.
• لم يتوقّف إنجازه على إجراء الجراحات الصّعبة. علاوة على ذلك، تسلّم منصب مدير الدّراسات العلميّة والأبحاث الطبيّة.
• إضافة إلى ذلك، له العديد من أوراق البحث الطبّي الخاصّة المنشورة والقيّمة (أكثر من 1000 بحث).
• ابتكر تقنيات جديدة كليّاً وغير مسبوقة في جراحة القلب والصّدر.
• الأهم من ذلك، دخل موسوعة جينيس بعد إجرائه جراحة لمريض عاش أطول مدّة حياة بقلب مزروع (33 عاماً).
• أسّس مؤسّسة طبيّة خيريّة (سلسلة الأمل) لرعاية الأطفال الذين يولدون بتشوّهات خلقيّة في قلوبهم في الولايات المتّحدة الأمريكيّة.
• لديه مركز للأبحاث (مركز هارتفيلد). علاوة على ذلك، يتولّى منصب المؤسّس فيه والمدير لأبحاثه التي تواكب كل جديد في جراحة القلب Cardiac Surgery.
• أنشأ مؤسسة مجدي يعقوب للقلب في مصر والتي تعتبر مركزاً خيريّاً يقدم العلاج المجّاني.

ألقاب حصل عليها مجدي يعقوب

تمّ إطلاق تسميات مختلفة وألقاب عديدة تصف إنجازاته. منها، على سبيل المثال:

عمليات جراحية صعبة أجراها

في الحقيقة، أدخل مجدي يعقوب حقبة حديثة إلى جراحة القلب بتطويره التقنيات اللازمة لذلك. علاوة على ذلك، إنه أول من ابتكر تقنية جراحة الدينمو في زراعة القلب. وأجرى عدّة جراحات نوعية منذ بدأ حياته العمليّة. نذكر منها:

• في البداية، وعندما بدأ مجدي يعقوب حياته العملية أجرى جراحة نوعية لم يكن قد أجراها إلا طبيب واحد قبله. حيث قام بزراعة قلب لمريض أوروبي يدعى دريك موريس.
• أجرى جراحة معقدة لطفلة بعمر السنتين مصابة بتضخم قلب بنسبة الضعفين وأعاد قلبها إلى الطبيعي.
• أجرى أول وأخطرعملية جراحة قلبية في مصر لفتاة بعمر 17 عاماً وأنقذ حياتها.

مؤسسة مجدي يعقوب

إن مؤسسة مجدي يعقوب هي مؤسسة طبية تعتبر الأولى من نوعها علاجياً في الوطن العربي. فهي تقدّم الرعاية الصحية المجّانية لمرضى القلب. علاوة على ذلك، إن هذه المؤسسة هي الأولى من نوعها في الشرق الأوسط والتي حصلت على شهادة الاعتماد الدّولي CMR من الجمعية الأوروبيّة لأمراض القلب في أوروبّا.

شهادة الاعتماد الدولي CMR

وهي شهادة جعلت من المركز معتمداً في مجال الرنين المغناطيسي لأمراض القلب عند البالغ. والتشوهات القلبية عند الأطفال.

إنجازات مؤسسة مجدي يعقوب

تم إنشاء مؤسسة مجدي يعقوب للقلب في العام 2008 من قبل ملك القلوب. وذلك من أجل تقديم العلاج المجاني للمرضى وبخاصّة الأطفال. علاوة على ذلك، يدرّب هذا المركز حوالي 100 طبيب عربي. ويتم علاج أكثر من 80000 مريض يراجعه سنوياً. الأهم من ذلك، يتم إجراء أكثر من 10000 جراحة قلب فيه على مدار العام. كما يوجد لهذه المؤسسة قسمين. أحدهما في مدينة أسوان والآخر في القاهرة حيث يعتبر الأول من نوعه في الشرق الأوسط وقارّة إفريقيا.

مجدي يعقوب وزوجته

لا يترك الحبّ باباً لا يطرقه. فأين هم أولئك الذين أوصدوا الأبواب وأغلقوا قلوبهم؟ في الحقيقة لا يتحدّث مجدي يعقوب العظيم كثيراً عن حياته الشخصية. علاوة على ذلك، يبدو شخصيّة تستطيع الفصل بشكل كبير بين عملها وحياتها العائليّة.

ماريان يعقوب

في بعض اللقاءات تحدث مجدي يعقوب عن زوجته ماريان يعقوب، الممرضة الألمانية التي ربطته بها قصّة حبّ عظيمة امتدّت لـ 46 سنة قبل أن تتوفّى في 2012. ويبدو أن وفاتها تركت جرحاً عميقاً في قلبه. فتبدّل الملامح الذي ظهر على سحنته عندما جاء المذيع على ذكر اسمها يشي بأسمى معاني الحبّ والإخلاص.

معلومات عنها

حملت ماريان لقب زوجها ولقّبت بماريان يعقوب. لكنّها سيّدة ألمانية الأصل ولدت في ألمانيا الشّرقية ثم انتقلت للعيش في غربها. وبعد ذلك بريطانيا. ثم تزوجت من السير مجدي يعقوب في الولايات المتحدة الأمريكية. وبسبب عمله المستمر في الجراحة تفرّغت لتربية الأبناء. في الحقيقة تحدّث مجدي يعقوب كثيراً عن مهنة زوجته (التمريض) ووصف نبلها داعياً إلى إنصاف من يعمل بها وتقدير جهودهم.

إخلاص وحب وتنفيذ للوصية

يؤكد مجدي يعقوب على أنّ حبّ ماريان يصعب نسيانه. وبأن غيابها المؤلم لم يبعث في روح عائلتها الإحباط بقدر ما خلق بداخل كل فرد فيها الدافع لتحقيق المزيد من النجاح. فهذه كانت وصيّة ماريان والجميع حريص في غيابها على تنفيذ ما جاء فيها.

أبناء مجدي يعقوب

أثمر زواج السير مجدي يعقوب من ماريان عن 3 أبناء.

• الابن الأوّل “أندرو”: لم يختر مجدي يعقوب الجرّاح تخصّصاً جراحياً لأولاده. ولم يورث ابنه المهنة كما يفعل كثيرون. بل إن ابنه الأول كان يطمح أن يصبح طيّاراً وبالفعل حقّق حلمه بدعم والده.
• ليزا: البنت سرّ أبيها، بهذه العبارة يمكننا أن نصف ليزا ثاني أبناء مجدي يعقوب، رفيقة والدها وأمينة أسراره. علاوة على ذلك، تعمل ليزا في مؤسسة أبيها في لندن وقد أعطت الجوانب الإنسانية والمجتمعية حيزاً كبيراً من حياتها الشخصية.
• صوفي: في النهاية، كانت صوفي يعقوب آخر أبناء مجدي يعقوب وهي الوحيدة من بينهم التي اختارت الطب مهنة لها. علاوة على ذلك، تهتم بالشأن الإنساني وتعمل في عدة منظمات إنسانية في كل العالم.

وكما بدأنا الحديث عن مجدي يعقوب الإنسان والطبيب بحبّ، ننهيه بحبّ. على أن لا تنتهي إنجازاته العظيمة ويستمر دفء سجاياه بالاتّقاد في الذاكرة.