متلازمة جانسر (Ganser syndrome)؛ تم تشخيص مئات الأنواع من الاضطرابات والحالات النفسية المختلفة عبر التاريخ. بعض هذه الاضطرابات شائع جداً ومن السهل تشخيصه وعلاجه. بينما بعضاً منها يعتبر نادر جداً ومعقد، مثل متلازمة جانسر التي يتحدث عنها هذا المقال، تعرف معنا إلى الأعراض والأسباب والتشخيص والعلاج.
تعريف بمتلازمة جانسر
تعتبر متلازمة جانسر من أندر وأغرب الأمراض النفسية التي تصيب الإنسان، والتي تكون شائعة بين الذكور أكثر من الإناث. وتتميز تلك الحالة النفسية بأن المصاب بها تنتابه أعراض نفسية متعددة ومتنوعة تتشابه أكثرها مع مرض الفصام. كما أن المريض يتصف ببعض الخصائص مثل الانعزالية والصمت وحب الوحدة وعدم الثقة بالناس والغرابة في الحديث والتصرفات.
لكن متلازمة جانسر لها عرض أساسي يميزها والذي على أساسه يتم تشخيص حالة المريض بأنه مصاب بتلك المتلازمة. ويتمثل ذلك العرض في كون المريض يعطي إجابات خاطئة أو غير منطقية للأسئلة المطروحة عليه، وذلك رغم بساطة تلك الأسئلة. ويسمي العلماء هذا العرض باسم “الإجابات التقريبية”، لأنها قريبة من الصواب بالرغم من أنها غير صحيحة. فتم تسمية المتلازمة أيضاً “بمتلازمة الإجابات التقريبية”. فعلى سبيل المثال لو تم سؤال مريض متلازمة جانسر كم يساوي 4+1، فإن الإجابة المتوقعة منه ستكون على الأرجح 6.
لقد سميت تلك المتلازمة على اسم العالم الألماني الذي اكتشفها “سيغبرت جانسر”. والذي قام بتشخيص تلك الحالة لأول مرة عام 1898 بين نزلاء السجون. لذلك تسمى أيضاً “بذهان السجون”، وكان يتم الاعتقاد حينها أن السجناء يتظاهرون بالمرض لكسب التساهل من مسؤولي السجن. وبسبب أعراض المتلازمة الكثيرة، فقد تم تسميتها بأسماء عديدة منها “متلازمة بالدرداش” أو “متلازمة الهراء”.
أعراض متلازمة جانسر
تنوعت أعراض متلازمة جانسر بصورة كبيرة، وفيما يلي أبرز 7 أعراض:
الإجابات التقريبية
كما ذكرنا، فهذا العرض يعتبر أشهر أعراض متلازمة جانسر، فهو العرض المميز للحالة. فالمريض يجيب على الأسئلة السهلة بإجابات خاطئة وغير واقعية، ولكنها قريبة إلى الصواب. فلو تم سؤاله عن عدد أرجل الحصان مثلاً، فسيجيب غالباً بأنه يمتلك خمسة أرجل. بالتالي فلا يوجد منطقية في الحديث. كما يمكن أن تنتاب المريض أعراض قلق وتوتر وارتباك شديدة أثناء توجيه الأسئلة إليه. لهذا السبب فمعظم المرضى يمتنعون عن الإجابة ويفضلوا الصمت وعدم الحديث، أو فقط يجيبون بكلمة “لا”.
الشرود والتلبك الدماغي
يكون المريض في حالة من الشرود الذهني الشديد وحالة من اللاوعي للوسط المحيط معظم الوقت. يعيش في عالم آخر مختلف غير منتبه لما يحدث حوله. ويمكن أن تتطور الأمور للأسوأ عند زيادة حدة الأعراض. فيصل الأمر إلى التشوه في الوعي والإدراك وفقدان الهوية الشخصية، أو حتى فقدان الذاكرة المؤقت.
الهلوسات الكاذبة
تنتاب مريض متلازمة جانسر مجموعة من الهلوسات السمعية والبصرية المختلفة. والتي تتمثل في رؤيته أو سماعه لكيانات أو مجموعة من الأشخاص الغير موجودين فعلاً. ولهذا فإن المريض دائم التحدث مع نفسه أو مع هؤلاء الأشخاص الغير واقعيين عندما يكون بمفرده. فهو يعيش داخل خياله الخاص الذي لا يمت للواقع بصلة.
الانعزالية والعدائية
يميل المريض إلى البقاء وحيداً، والهرب من أي تجمعات، فهو يتوقع دائماً الأسوأ من الآخرين، حتى من الأقارب ولا يثق بهم. بالتالي فهو يحمل عدائية (Hostility) عادة تجاه كل من يقترب منه أو يتحدث إليه. غير أنه لا يثق حتى بنفسه، فهو يخشى التعبير عما بداخله وعن أفكاره. فهو يظن بأنه نكرة وبلا قيمة، كما يخشى آراء ونظرات الناس السلبية. بالتالي فهو انطوائي يخشى الانخراط في المجتمع، وتكون الوحدة صديقه الوحيد.
ادعاء المرض.
مريض تلك المتلازمة بارع في ادعاء المرض والضعف، وذلك رغم عدم ظهور أي أعراض مرضية عليه. وذلك كوسيلة لكسب حب وعطف واهتمام الأهل من حوله لأنه يشعر بالنقصان. وذلك لأنه يرى بأنه بلا قيمة، فيحاول معرفة ما إذا كان ذا قيمة وأهمية حقاً عند الآخرين أم لا. كما أنه يريد جذب انتباه المحيطين.
اضطرابات جسدية وهمية
يمكن أن يشعر ويشتكي المريض بألم في عضو من أعضاء جسده. ولكن ذلك الألم غير موجود فعلاً بل مجرد وهم، فيما يسميه العلماء “اضطراب التحويل الجسدي”. كما ويصاب المريض بحالة تسمى “الشلل الهيستيري”. وهو اضطراب وهمي آخر لا يستطيع المريض فيه تحريك أجزاء معينة من جسده كأنه مشلول.
اللامبالاة
تصيب المريض حالة من انعدام الرغبة في فعل أي شيء أو أي نشاط، بل يفضل الجلوس لحاله فقط. حتى مسؤولياته وأعماله وأشغاله يتهرب منها ولا يعبأ بها ولا يعطيها أي اهتمام. بل حتى إنه لا يهتم لأمر نفسه وصحته الخاصة.
أسباب متلازمة جانسر
لا يمكن تحديد سبب بعينه يمكنه التسبب بمتلازمة جانسر. ولكن المتلازمة تصيب عادة من لديهم تاريخ مع الأمراض النفسية والعقلية أو مصابون بالفعل بهذه الأمراض. مثل الاكتئاب الحاد أو الانفصام أو الاضطراب ثنائي القطب. كما ويؤثر كبت المشاعر السلبية لفترة طويلة من دون الإباحة بها إلى تمهيد الطريق للإصابة بأمراض نفسية مختلفة منها متلازمة جانسر.
كما يمكن أن يصاب الإنسان بتلك المتلازمة نتيجة تعرضه لصدمات شديدة في السابق أثرت على دماغه بالسلب. مثل التعرض للسكتة الدماغية، أو تعرضه لأي حادث أصاب دماغه بضرر ما، أو تعرضه لاضطراب ما بعد الصدمة. كما أن الإدمان على المخدرات والكحوليات أيضاً يضر الدماغ ويمكن أن يسبب الإصابة بمتلازمة جانسر.
بعض الأشخاص لا يملكون الإرادة القوية للتغلب على مشاكل وضغوطات الحياة المختلفة التي تواجههم. بالتالي لا يستطيعون التعامل معها والنظر قليلاً إلى الجانب المشرق. ومن هنا يقبعون تحت رحمة مشاكلهم، وينهاروا نفسياً وداخلياً ويكونوا أكثر عرضة للإصابة بمتلازمة جانسر. والبعض يتجه لطريق الإدمان كوسيلة للتخلص من مشاكله بما أنه لم يستطع مواجهتها. ولكن هذا ما يزيد الأمر سوءاً ويسبب الضرر الأكبر للدماغ، ويجعل علاج متلازمة جانسر أكثر صعوبة.
التشابه بين متلازمة جانسر والفصام
تتشابه أعراض متلازمة جانسر مع أعراض الفصام فيما يلي:
تشخيص متلازمة جانسر
يعد تشخيص متلازمة جانسر أمراً صعباً نظراً لندرتها وتغير أعراضها باستمرار. ولكن انقسم العلماء في تشخيصها. فهناك فئة تعتقد بأن تلك المتلازمة مجرد خداع وكذب وأنها مجرد اضطراب تمارضي مصطنع من أجل كسب اهتمام الآخرين. وبالتالي فهم ليسو مرضى فيما يسمى “بالاضطراب المفتعل”. وفئة تقر بأن تلك الحالة تندرج تحت مسمى “الاضطراب الفصامي” لتشابه أعراض متلازمة جانسر مع أعراض الفصام. ومن هنا فقد قام الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM) بوضع المتلازمة تحت عنوان “الاضطرابات النفسية الانفصالية غير المحددة بطريقة أخرى”.
علاج متلازمة جانسر
تختلف طريقة علاج متلازمة جانسر باختلاف سبب الإصابة. وغالباً تختفي أعراض متلازمة جانسر بعد عدة أيام من الإصابة، ولا يستلزم الأمر التدخل الطبي. ولكن الاستشفاء والرعاية الصحية يكونا لازمين إذا ازدادت حدة الأعراض تجنباً لإيذاء المريض نفسه أو الآخرين. ومن الأفضل اتباع الطرق الآتية:
أخيراً، إنه لمن المهم حقاً عدم السماح للمشاعر السلبية بالسيطرة علينا وعدم كبتها لفترة طويلة. ومحاولة حل المشاكل الحياتية أياً كانت تجنباً للإصابة بالأمراض النفسية المختلفة مثل متلازمة جانسر. ومن هنا يجب الابتعاد عن مسببات تلك المتلازمة قدر الإمكان.