جامع السلطان أحمد أو كما يسمونه الجامع الأزرق، واحداً من أروع القطع المعمارية التي تتوهج في أفق اسطنبول. وفي نفس الوقت، هو أحد أهم رموز تركيا السياحية.
ليس فقط لمظهره الرائع، يمتلك الجامع الأزرق العديد من السمات التي تميزه عن المساجد الأخرى، مثل كونه المسجد الأول بست مآذن.
تاريخ جامع السلطان أحمد
في بداية القرن السابع عشر، كانت العديد من تلال اسطنبول مليئة بالمساجد التي تحمل أسماء السلاطين. وكانت لدى السلطان أحمد رغبة ملحة في بناء مسجد غير مسبوق في جماله.
أمر السلطان بإيجاد مكان مناسب لبناء الجامع. ومن بين جميع الأماكن، تم اختيار قصر عائشة سلطان، الذي يقع على جانب ميدان سباق الخيل.
يطل القصر على البحر، وكانت مساحته واسعة جداً. كان قريباً من قصر طوب قابي، ولم تكن المناطق المحيطة به مزدحمة. لهذا السبب، كان المكان مثالياً لبناء الجامع.
دفع السلطان أحمد للسلطانة عائشة 30 حمولة من الدينار من الذهب الخالص، واشترى القصر.
اختيار مهندس لتشييد الجامع
في تلك السنوات، كان محمد آغا مهندساً معمارياً كبيراً، اشتهر بمهاراته الرائعة في الهندسة المعمارية. لذا، كلفه السلطان ببناء المسجد.
طلب السلطان أحمد من محمد آغا بناء مسجد يمكن أن يتنافس مع المعالم الأخرى الرائعة، مثل آيا صوفيا وجامع السليمانية. وبعد جهود مطولة، رسم محمد آغا مخطط المسجد وقدمه إلى السلطان.
استمع السلطان أحمد إلى شرح المهندس المعماري، وأعجب بالخطة واعتمدها.
الانتهاء من بناء المسجد
استغرق بناء جامع السلطان أحمد حوالي سبع سنوات، بين عامي 1609 و 1616. وأخيراً، في يوم الجمعة 2 يونيو 1616، أقيم حفل افتتاح رائع حضره السلطان وكبار مسؤولي الدولة. قدم السلطان مأدبة كبيرة للضيوف وافتتح المسجد بالصلاة.
توهج المسجد باللون الأزرق، جدرانه المزينة بالبلاط الفاخر، مداخله المزينة بالصدف، مآذنه الستة ومظهره الفخم؛ جعله آية للجمال في اسطنبول. وفي ذلك الوقت، أطلق الناس عليه اسم “المسجد الجديد”.
مآذن جامع السلطان أحمد
كان مسجد السلطان أحمد الأول بين كل مساجد تركيا الذي يحتوي على ست مآذن. وقد طلب السلطان أحمد القيام بذلك، لبناء مسجد رائع يتميز عن المساجد الأخرى.
وفقاً للأسطورة، عندما تم الإعلان عن عدد المآذن، تعرض السلطان لهجوم شديد. لأنه في ذلك الوقت، كان المسجد الحرام في مكة هو الوحيد الذي يحتوي على ست مآذن. لذا اعتبره الناس عدم احترام للكعبة.
ولحل هذه المشكلة، يُقال إن السلطان أحمد طالب ببناء مئذنة سابعة في المسجد الحرام بمكة. وتم تهدئة الأصوات المعارضة.
المعمار الداخلي للجامع الأزرق
يجمع مسجد السلطان أحمد بين أسلوبين معماريين، فهو مزيج من العمارة الإسلامية التقليدية، مع بعض العناصر البيزنطية المأخوذة من آيا صوفيا.
يتمتع الجامع الأزرق بمكانة فريدة بين المعالم السياحية، ليس فقط بسبب مآذنه الستة، لكن أيضاً بسبب ديكوراته الداخلية والإضاءة الداخلية.
يصطف الجزء الداخلي من جامع السلطان أحمد بأكثر من 20000 من بلاط إزنيق الفاخر، وهو بلاط خزفي تم صنعه يدوياً في مدينة إزنيق. تم تصميم البلاط بأشكال مختلفة من زهور التيوليب والفواكه وشجر السرو، تضفي لمسة ساحرة على مظهر البلاط.
يسيطر الطلاء الأزرق على أكثر من 200 نافذة من نوافذ المسجد. لذلك، إلى الآن يعرف جامع السلطان أحمد بالجامع الأزرق. تحتوي كل نصف قبة على 14 نافذة، بينما تحتوي القبة المركزية على 28 نافذة.
أهم عنصر في التصميم الداخلي للمسجد هو المحراب. تم صنعه من الرخام المنحوت بدقة، وتم تغليف الجدران المجاورة له بالبلاط المزخرف.
إلى يمين المحراب، يقع المنبر، حيث يقف الإمام ليخطب في صلاة الجمعة أو الأعياد المقدسة. تم تصميم المسجد بحيث يمكن للجميع داخل المسجد رؤية الإمام وسماعه، حتى في أوقات الازدحام.
كان أهم ابتكار جلبه المهندس المعماري محمد آغا، هو استخدام جناح السلطان. يقع جناح السلطان في الزاوية الجنوبية الشرقية من الجامع الأزرق. استخدم السلطان هذا الجناح كمكان للراحة قبل وبعد الصلاة.
كانت العديد من المصابيح داخل الجامع الأزرق مغطاة بالذهب والأحجار الكريمة، لكن تم إزالة جميع هذه الزخارف، أو نقلها للمتاحف في اسطنبول.
تم نقش الألواح على الجدران بأسماء الخلفاء الراشدين وآيات من القرآن الكريم، من قبل الخطاط الكبير في القرن السابع عشر، أميتلي قاسم غوباريم. ولكن مع الوقت، تم ترميمها.
المعمار الخارجي للجامع الأزرق
يتكون جامع السلطان أحمد من خمس قباب رئيسية كبيرة، ست مآذن، وثمان قباب صغيرة.
تم بناء واجهة فناء الجامع الفسيح على نفس طراز واجهة مسجد السليمانية، باستثناء إضافة الأبراج على القباب. يحيط بالفناء أروقة مقببة. وتظهر النافورة المركزية السداسية، بحجم صغير نوعاً ما، مقارنةً بأبعاد الفناء.
تم تصميم الواجهة لتعكس مئتا عام من خبرة العثمانيين في بناء المساجد. ويعتبر مسجد السلطان أحمد بإسطنبول آخر المساجد العظيمة المعبرة عن العمارة العثمانية الكلاسيكية.
الجامع الأزرق بإسطنبول اليوم
اليوم أصبح جامع السلطان أحمد مزاراً من أهم المزارات السياحية في تركيا. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال الجامع الأزرق مسجداً عاملاً.
عندما يحين وقت الصلاة، يؤذن للصلاة ثم يصلي المسلمون، وبالتالي يُغلق المسجد أمام السياح لمدة 90 دقيقة في وقت كل صلاة.
وفقاً لتصريحات إيزاك كيزيلسلان، إمام الجامع الأزرق، يمكن لحوالي 20000 شخص الصلاة في المسجد في نفس الوقت.
يزور العديد من رؤساء الدول والشخصيات الهامة جامع السلطان أحمد مع آيا صوفيا عند زيارتهم لتركيا. كان من بينهم البابا بنديكتوس السادس عشر والبابا فرنسيس والرئيس الأمريكي باراك أوباما.
عندما دخل البابا بنديكتوس السادس عشر المسجد، توقف لبضع دقائق، أغلق عينيه وتأمل في صمت.
في عام 1985، تم إدراج المناطق التاريخية في اسطنبول، بما في ذلك الجامع الأزرق وقصر طوب قابي، في قائمة اليونسكو للتراث العالمي.
جامع السلطان أحمد أو الجامع الأزرق هو تراث عثماني ذو مبنى فريد. يزوره ملايين السياح المحليين والأجانب كل عام. وما يقع على عاتقنا هو الحفاظ على هذا التراث بأفضل الطرق الممكنة، والمساعدة على نقله للأجيال القادمة.