وفقًا للعديد من الخبراء في علوم تغير المناخ والأوبئة، يؤثر تغير المناخ بالفعل على صحة الإنسان والحيوان، ويؤدي إلى زيادة الأمراض المعدية والأمراض التي تسببها الحرارة، فما هي العلاقة بين التغير المناخي والأمراض؟
التغير المناخي والأمراض الوبائية، معرفة قديمة
لقد عرف البشر أن هناك علاقة بين التغير المناخي والأمراض الوبائية قبل وقت طويل من اكتشاف دور المسببات المرضية، مثل: الفيروسات والبكتيريا والطفيليات والكثير من الميكروبات الأخرى.
على سبيل المثال، في أواخر القرن التاسع عشر، يسافر الأرستقراطيون الرومانيون كل صيف إلى المنتجعات الجبلية لتجنب الملاريا التي تكثر في هذا الفصل. علم القاطنين في جنوب آسيا أيضًا في وقت مبكر أن في ذروة الصيف، تجعل الأطعمة المعالجة بنسبة كبيرة من البهارات الحارقة الأشخاص أقل عرضة للإصابة بالإسهال. بالإضافة إلى ذلك، الكثير من عادات الشعوب المستقاة من كتب التاريخ تؤكد هذه المعرفة المسبقة.
تكاتف الجهود
استضاف مركز AAAS الذي يهدف إلى المشاركة العامة مع العلوم والتكنولوجيا، حدث مباشر على منصة الفيس بوك في 22 أبريل الماضي بعنوان “التطلع إلى المستقبل في يوم الأرض: كيف يؤثر المناخ على صحتنا، وما العلاقة بين التغير المناخي والأمراض، وما يمكنك القيام به”.
لقد جمع العديد من الخبراء لمعالجة قضية علاقة تغير المناخ والأمراض وتأثيرها على الصحة العامة. ذلك لمشاركة الخطوات التي يمكن أن تتخذها المجتمعات والأفراد للتخفيف من الآثار السلبية.
العلاقة بين التغير المناخي والأوبئة
قالت دانييل بوتكي، عالمة الأوبئة البيطرية العاملة في خدمة الحدائق الوطنية، ومنسقة مبادرة صحة واحدة لتحسين صحة الناس، والحيوانات، وسلامة البيئة: إن علاقة المناخ والأمراض طويلة الأمد. يمكن أن يؤثر المناخ على تفشي الأمراض الحيوانية المنشأ. يؤدي ذلك إلى ظهور أمراض، مثل: كوفيد-19 التي يمكن أن تقفز من الحيوانات إلى البشر والعكس صحيح.
كان بوتكي عضواً مشاركاً في معهد ليشنر للقيادة AAAS Leshner Leadership Institute، الذي يجمع العلماء للتدريب المكثف على الاتصال العلمي والمشاركة العامة فيما يتعلق بمواضيع علمية محددة. قال باتكي: “عندما يكون لديك نظام بيئي صحي، فإن ذلك يساعد على تنظيم انتشار الأمراض. ومع ذلك، عندما يتأثر النظام البيئي بمشاكل مثل ارتفاع درجات الحرارة العالمية أو انقراض الحيوانات المفترسة، يمكن أن يساعد ذلك على إنتشار الأمراض بسهولة أكبر”.
على سبيل المثال يؤثر الطاعون، على مجموعات من الحيوانات البرية التي لم يضع لها الخبراء تدابير وقائية. فيضيف باتكي: إن هذا بالطبع يوفر فرصاً فريدة من نوعها لانتشار المرض إلى البشر.
الأنشطة البشرية المباشرة على البيئات الطبيعية
قال باتكي إن الآثار البشرية على الحياة البرية والبيئة تحفز من انتشار الأمراض المعدية بين الحيوانات. على سبيل المثال، إذا دمرت الأنشطة البشرية البيئة الطبيعية لنوع معين من الكائنات الحية، فقد تهاجر الحيوانات بعد ذلك إلى مناطق جديدة. يضع ذلك مجموعات من الحيوانات بالقرب من مجموعات أخرى والتي بدورها لم تكن مرتبطة من قبل.
أضاف باتكي أن أسواق الحيوانات الحية تجمع وتقرب بين أنواع مختلفة كثيرة لم تكن في احتكاك من قبل – بما في ذلك البشر – من بيئات طبيعية مختلفة. يقول باتكي: نتيجة لذلك يصبح لدينا إمكانية من أن تنتقل أمراض كثيرة إلى أنواع جديدة لم يتفاعلوا معها من قبل.
يمكن أن تؤدي الأوضاع العصيبة إلى تفاقم تفشي المرض أيضًا. يشبه ذلك الشخص الذي قد يصاب بالبرد بسهولة أكبر عندما يكون مرهقًا. ذلك بسبب أن التوتر والضغوط العصبية تكون مصاحبة بارتفاع في نسب هرومون الكورتيزون. يؤدي هذا الهرمون إلى تثبيط الجهاز المناعي، مما يجعله عرضة للإصابة بالأمراض.
كذلك تكون الحيوانات أكثر عرضة للإصابة بالأمراض أثناء الضغط. وقال باتكي أنه إذا تم الضغط على الحيوانات – سواء من خلال العوامل البيئية، مثل: ارتفاع درجات الحرارة أو الجفاف أو وجودها في الأقفاص في السوق – فقد تتعرض لعدوى مرضية أعلى. وتزيد أيضًا فرصة التخلص من الفيروسات وزيادة التعرض للفيروسات الجديدة.
التغير المناخي والأمراض التي تحتاج ناقلات
يؤثر تغير المناخ أيضًا على انتقال الأمراض المنقولة عن طريق وسيط مشترك أو النواقل، مثل: أمراض الملاريا وفيروس غرب النيل ومرض لايم. تنتشر هذه الأمراض عن طريق البعوض والقراد وبعض الناقلات الأخرى.
قال كاسي إرنست، الأستاذ المساعد ومدير برنامج علم الأوبئة في جامعة أريزونا، وأيضًا الزميل في معهد ليسنر للقيادة : إنه لشئ معقد العلاقة بين التغير المناخي وانتشار الأمراض المعدية. ولكن بشكل عام في العديد من المواقع، نتوقع أننا سنشهد زيادة في الأمراض المنقولة بالنواقل، مثل: البعوض. فهناك صلة وثيقة بين الظروف البيئية وناقلات الأمراض. يعد البعوض من النواقل الرئيسية لأمراض كثيرة، مثل: الملاريا والحمى الصفراء وزيكا. يقتل البعوض حوالي 700,000 شخص سنوياً.
أضاف إرنست أن التغيرات في درجات الحرارة ومستويات هطول الأمطار في موقع ما يمكن أن تطيل من موسم البعوض. يمكن أن يتحمل ويستمر البعوض خلال الشتاء الذي أصبح أقصر وأكثر دفئاً. وقال إرنست أن الأدلة تظهر أيضًا، أن التغيرات في المناخ تسمح للحيوانات، مثل: القراد بالانتقال إلى مناطق جغرافية جديدة. وهو أحد العوامل التي ساعدت على زيادة مرض اللايم في الولايات المتحدة.
قال جيف دوكس، العضو في في معهد ليشنر للقيادة، وأستاذ الغابات والموارد الطبيعية والعلوم البيولوجية في جامعة بوردو ومدير مركز أبحاث تغير المناخ في بوردو، أن زيادة درجات الحرارة تؤدي إلى موجات حرارة أطول وأكثر سخونة وتكرارًا. تسبب هذه الموجات آثارًا صحية، مثل: المزيد من حالات ضربات الحرارة أو الشمس كما يندرج اسمها.
الحلول المتاحة
ناقش المتحدثون في الحدث المباشر لمركز AAAS، ما يمكن للمجتمعات القيام به للتخفيف من حدة آثار التغير المناخي والأمراض الوبائية الناشئة عنه. بما في ذلك اتباع خطى المجتمعات الواردة في المشروع، البالغة عددها 18 مجتمعًا. تستخدم هذه المجتمعات المعلومات العلمية للتخفيف والتكيف لتأثيرات العلاقة بين التغير المناخي والأمراض على المستوى المحلي أو الإقليمي.
يشير العلماء في التقرير إلى أن ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الفيضانات وزيادة الأمراض المنقولة عن طريق المياه والنواقل ستشكل تهديدات متزايدة للسكان في ولاية ميشيغان الأمريكية ومنطقة البحيرات الكبرى. هذا ما يعد الخطر الأساسي لترابط التغير المناخي والأمراض.
تقول إميلي تيريز كلويد، مديرة مركز AAAS: للاستجابة لتلك الأحداث المتوقعة. عمل صانعو السياسات في ميشيغان، مع العلماء وأفراد المجتمع المدني لوضع خطة للاستجابة لمشكلة التغير المناخي والأمراض التي قد تحدث في المنطقة عن طريق عمل نماذج مستقبلية لما سوف يحدث، والآثار السلبية على صحة سكان المدينة.
تعزيز الوعي المجتمعي بعلاقة التغير المناخي والأمراض
قال إرنست إن الاستراتيجية المهمة الأخرى التي يجب توافرها لحل هذه المشكلة، هي تعزيز الوعي لدى المجتمعات بآثار تغير المناخ. والموارد المتاحة لهم لردع مثل هذه المشكلة. لأن محاولة الحصول على مجتمع واعي بالعلاقة بين التغير المناخي والأمراض المعدية المتفجرة من ذلك التغير، بل وتأثير التغير المناخي على الجوانب الأخرى، هو أحد أفضل الاستراتيجيات التي يمكننا المضي قدمًا فيها.
فنحن لا يمكننا الاعتماد فقط على الحركات والمنظمات الخارجية والسياسات الدولية التي يتم وضعها. أو التي يتم إتباعها لمجابهة مشكلة التغير المناخي والأمراض التي تترتب عنها. كما أضافت ارنست: علينا أن نبني هذا القدر من المرونة الفكرية في مجتمعاتنا من الداخل.
قال الخبراء إن المجتمعات يجب أن تدرك أيضا أن آثار تغير المناخ على الصحة ستكون مختلفة ومتفاوتة في الأماكن المختلفة. وأن يتفهموا أي الفئات السكانية هي المعرضة لمواجهة أخطر الآثار الصحية لتغير المناخ.
كما أضاف دوكس أن السكان الذين تضرروا بشدة من كوفيد-19 بما في ذلك كبار السن والأشخاص الذين يعانون من ظروف صحية مسبقة وكانت مجتمعاتهم ذات موارد أقل. تشبه تلك التي يتوقع الخبراء أنها ستتأثر بشكل غير متناسب بتغير المناخ والآثار الصحية الناتجة عنه.
إشراك المجتمع في الجهود
حدد المتحدثون أيضًا الخطوات الفردية التي يمكن للأفراد اتخاذها، مثل: المساهمة في تتبع ناقلات الأمراض، مثل: البعوض والقراد. وتتبع الأمراض من خلال الحركات العلمية التي تنتشر داخل المجتمع. ذلك من أجل إشراك العامة في وعي علمي مبسط بالظروف حولهم.
كما أضاف إرنست، أن الناس يمكن أن يساهموا في مراقبة البعوض على منصات، مثل: iNaturalist أو مشروع البعوض المسمى GLOBE والتابع لوكالة ناسا. كما يمكنهم أيضًا المساهمة في مشاريع “المراقبة والتتبع”. تسمح هذه المشاريع للأفراد بالابلاغ عن أعراض مرضهم، مثل: مشروع Kidenga الذي يديره إرنست.
Kidenga هو تطبيق على الهواتف الذكية. يخدم المجتمعات لاكتشاف الأمراض التي يسببها البعوض في تكساس وفلوريدا وأريزونا وكاليفورنيا وبورتوريكو. حيث يتمكن الفرد فيها من وصف حالته على التطبيق لكي يأخذ المجتمع حذره. يمكن من خلال التطبيق تتبع الخريطة المرضية والتنقلات الأخيرة. وهذا البرنامج قائم على مشاركات المجتمع بالكامل. كما تتم مشاركة أحدث الحالات المؤكدة من أقسام الصحة المحلية أسبوعيًا في التطبيق.
كما شجع أعضاء الفريق الأفراد على مشاركة آثار تغير المناخ داخل مجتمعاتهم. والاستماع إلى مخاوف الآخرين وإبراز جهودهم الخاصة للحد من الانبعاثات الكربونية التي يسببها كل شخص على حدى، والتي يمكن أن تشجع الآخرين على اتباع خطاهم.
نتيجة للترابطات الواضحة بين التغير المناخي والأمراض. يقول باتكي: “ما تفعله ومدى وضوح أفعالك سوف يحدث فرقًا كبيرًا في الحد.”
البحث العلمي للعلاقة بين التغير المناخي والأمراض
هناك ثلاث اتجاهات في البحث العلمي لدراسة العلاقة بين التغير المناخي والأمراض المعدية. الأول، هو فحص الأدلة من الماضي القريب للعلاقة بين التغير في المناخ ونسبة حدوث الأمراض المعدية. كمثال على ذلك، مرض الطاعون الذي كان أحد أسباب ظهوره هو التغير المناخي الذي حدث في الفترة التي سبقته. الاتجاه الثاني، باستخدام المؤشرات والمعطيات المبكرة لتأثيرات بعض الأمراض المعدية الناشئة بالفعل. وماذا سيحدث على المدى الطويل باستمرار التغير المناخي.
الاتجاه الثالث، باستخدام الأدلة المذكورة أعلاه لإنشاء نماذج تنبوئية بالحاسوب. ذلك لتقدير ماذا سيحدث في المستقبل للأمراض المعدية في ظل السيناريوهات المختلفة المتوقعة لتغير المناخ.
هل هناك سبب للضبط ضد
هناك قلق من أن تغير المناخ سيجلب المزيد من تفشي الأمراض المعدية، وخصوصاً الفيروسية. ومع ذلك، على الرغم من أن تفشي الأمراض قد يصبح أكثر تكرارً، فإن العلم في وضع أفضل للمكافحة. مع وجود التقدم العلمي الحديث، يمكن للعلماء تطوير وتصنيع الاختبارات التشخيصية واللقاحات بسرعة قياسية لم يكن من الممكن تخمينها قبل عقد واحد فقط. ويمكن للعلم أن يتدارك مشكلة التغير المناخي والأمراض المنبثقة منها.
على الرغم من البطء المحبط للاستجابة لـكوفيد-19 في الوقت الحالي. فإن مثل هذا الوضع كان يمكن أن يكون أسوأ قبل عقد من الزمن. عندما يستغرق الأمر 10-15 سنة لتطوير لقاح. لكن الآن يأمل العلماء في الحصول على لقاح ضد السارس المستجد في غضون 12-18 شهرًا.