يمكن أن يكون الفن، خاصة الرسم والتلوين، أداة مفيدة لأي شخص يسعى وراء طرق جديدة، بهدف السيطرة على أعراض الاكتئاب وغيرها من الحالات النفسية. ولا يحتاج تجريب هذا العلاج إلى أي مهارات خاصة، وما على الشخص سوى خطّ رسومات تعبر عن الاكتئاب، واستحضار صور عن الاكتئاب، أو رسم الاكتئاب بشكل عابث لتفريغ المشاعر السلبية التي تجتاحه، ويرغب بالتخلص منها، والعيش بسكينة وسلام. هل يساعد الفن والرسم في علاج اكتئابك؟ تعرف إلى أبرز 3 أمثلة عنها.
الرسومات والاكتئاب
يكمن الرسم في صميم وجوهر وسائل التعبير عن النفس. وكأداة للتعبير، فإن الرسم والتصوير هي طرق مبدعة لإيصال آراء الرسام أو المُنشئ، ومبادئه في التعامل مع العواطف. قد تكون الصورة شكلًا، أو تصميمًا أو مخططًا، أو حتى صورة مرئية أنتجتها تصميمات أو ضربات أو خطوط. يعتمد الأمر على نوع النتيجة المطلوبة والهدف منها.
هناك العديد من أنواع الرسوم، والتلوين، والصور الشخصية، والرسوم التوضيحية، والفسيفساء، ورسومات الحياة التي جربها جميع الأشخاص. وهي إما فن سعيد أو تدفق لمشاعر الحسرة، وأعمالًا فنية كئيبة مع الكثير من الخيال.
رسم الاكتئاب
يمكن التعبير عن الاكتئاب بالرسم العابث والخربشات، ولا يحتاج المريض هنا إلى أقلام أو فرشاة خاصة أو باهظة، أو لوح رسم كالفنانين، ما عليه سوى الاحتفاظ بمفكرة ورقية وقلم أزرق أو رصاص بالقرب منه، وعندما يشعر باقتراب موجة اكتئاب أو قلق ماعليه إلا أن سحب هذه المفكرة وترك أنامله تقوده إلى حالة ذهنية أكثر راحة واسترخاء. قد يرسم خطوطًا قوية ليهدئ من التوتر، أو غيومًا عاصفة داكنة ليعبر عن مزاجه الكئيب. على أي حال، تعمل هذه الخربشات كمتنفس للارتباك العاطفي.
اذا لم يعرف المريض من أين يبدأ، يمكنه رسم رموز بسيطة أو أشكال مجردة كالنجوم، أو الدوامات، أو الموجات التي يتردد صداها عنده، أو تصوير زهرته المفضلة أو حيوانًا، أو أمورًا من حياته اليومية مثل الأبنية، أو الأشجار، أو المنازل وغيرها.
العلاج بالفن
العلاج بالفن Art therapy هو نوع حديث نسبيًا من العلاج النفسي، نوع من العلاج التكاملي، ما يعني أنه يرافق علاجات الأمراض النفسية التقليدية. ويتكامل مع التقنيات النفسية، والجمالية، والتربوية والطبية وغيرها، للمساعدة في تحسين الصحة العاطفية لمرضى الاكتئاب، الذي يسمح للشخص بالتعبير عن أفكاره وعواطفه عبر طرق فنية. يمكن للفن الخلاق أن يكون نشاطًا مهدئًا ذا تأثير إيجابي على الصحة النفسية برمتها.
حيث ينظر معظم الأشخاص لجهودهم بطريقة جديدة، ويعثرون على نواح متنوعة، عندما يرون ما أنجزوه خلال فترة اكتئابهم. فإيجاد المواد واستكشافها ، يمكّن الشخص من التطوير بين أحجام وأشكال وتفاصيل مختلفة. عندما يكون الشخص بائسًا، أو مكتئبًا، يتوقف عن إدراك روعة الكون. لكن الرسم يبعد الحزن، بإظهار روعة المناظر الطبيعية، والقرى والمدن، وكل مكونات الحياة الأخرى، سواء الطبيعي منها أو البشري.
تحفز هذه الأمور الاهتمام بالوجود العادي الباهت، وتضفي عليه ألوانًا زاهية. أيضًا يفترض أن تلهم رسومات الاكتئاب الأشخاص الآخرين ليتعاطفوا ويتفهموا أن الكثير من الناسيعانون من الاكتئاب، واختاروا رسومًا حزينة ليفرغوا ويعبروا عن مشاعرهم في تلك الأثناء.
يركز العلاج بالفن على تقنيات رمزية وحسية، ويقود الجلسات اختصاصيون مدربون في مجال الصحة النفسية، يساعدون المريض في التعبير عن مشاعره. حيث تساهم هذه الطريقة في زيادة الوعي بالذات، والتنبه بأسلوب لا يوفره لوحدها لعلاج بالتحدث، بسبب قيود اللغة.
يشير العلاج بالفن إلى كل استخدام للفن بهدف العلاج، سواء، بما فيه تخفيف القلق والتوتر والاكتئاب. وتقترح النظرية أن الرسم والتلوين، والتصوير، والنحت، تساعد في ضبط النفس والقدرة على التعبير عن المشاعر القاسية أو المؤلمة، التي يواجه الشخص صعوبة بالتعبير عنها في كلمات.
لوحات الأحلام Dream boards
هي تقنية علاجية مكملة، ومستقلة من العلاج بالفن. يستخدم المعالجون فيها أدوات بصرية ولمسية لمساعدة المصابين بالاكتئاب في وضع أهداف مهنية، أو عائلية، أو عاطفية، وغيرها. أيضًا قد يطلب المعالج منهم إنشاء لوحة أحلام، للمساعدة في تحديد الأهداف من أجل جلسات العلاج.
ويمكن إنشاء لوحات الأحلام Dream board باستخدام:
- قصاصات المجلات.
- الصور.
- رسوم المريض نفسه.
تساعد الصور المختارة في تحسين تصور المريض لما يريد أن تكون عليه حياته. ويساعد إنشاء لوحة أحلام في تحديد الأشياء الهامة فعلًا، واللازمة ليقدر على تغيير طريقة تفكيره بشكل واعي. ترى البحوث المتوفرة أنها قد تكون مفيدة عند تكاملها مع العلاج الذي يركز على الحل. حيث يدفع هذا النوع من العلاج النفسي المريض لتغيير نمط تفكيره وسلوكياته، في سبيل تحقيق الأهداف التي وضعها لنفسه.
هل يساعد العلاج بالفن حقًا؟
منذ ظهوره في منتصف القرن العشرين، استفاد الكثير من الأشخاص الذين يعانون أعراض نفسية مختلفة من العلاج بالفن. وشرح أحد المختصين في جامعة سياتل، أن هذا العلاج يقلل مستويات القلق والإعياء، ويساعد المريض في اكتساب فهم وادراك عميقين لنفسه، ويعزز تقدير الذات والتنبهمن خلال كل من العملية الإبداعية، والنتاج الفني. حيث تروّج العملية الإبداعية لرؤى جديدة، تتخطى بنية اللغة، فالفن يستخدم الرمزية، والاستعارات، والأفكار الديناميكية لتجسيد التجربة الإنسانية بطريقة لا تستطيعها اللغة. وهذا أمر يهم بشكل خاص من لا يقدرون على لمس مشاعرهم أو أحاسيسهم بأنفسهم.
ووجدت دراسات أنه يساعد جزئيًا الأشخاص الذين يعانون من اكتئاب أو صدمة. وبعض هذه الدراسات نفسها، أظهرت تأثيرات غير ملموسة للعلاج بالفن على الصحة العقلية إجمالًا. ويعود جزء من السبب إلى عدم توفر أي بحوث تقارن بين مرضى العلاج بالفن، وبين مرضى لم يتلقوا أي علاج على الإطلاق.
صور عن الاكتئاب
يعتبر الاكتئاب مشكلة رئيسية في الصحة النفسية العامة للمجتمع المعاصر، ويكون الأفراد أكثر عرضة للإصابة باضطرابات عاطفية. لكن هذا المرض يؤثر على الجميع دون تمييز.
تتحدث الصور أفضل من الكلمات، وبطريقة ما عندما يعاني شخص من الاكتئاب يمكنه أن يتعامل معهويعبر عما يفكر به، بمساعدة أشكال فنية مختلفة، تصف ما يدور في عقله، والذي على ما يبدو أنه شديد الوطأة،لدرجة أن تلك الأفكار تستنزفه، وتصيبه بالقلق. تحاول هذه الصور أن تمنحه شعورًا بالفهم، كما تتضمن معان عميقة.
التهام العقل Devouring Mind
يشمل كيف تصف الصورة شخصًا يعاني صعوبات نفسية، مثل: القلق، الجنون، اليأس أو غيرها. حيث تدفعه صرخاته اللامتناهية إلى التهام أفكاره بالكامل.
مثل هذه الرسومات، تظهر قطعًا محطمة، مثل قطع الزجاج المكسور، وتحدث غالبًا عندما يُصدم الشخص، أو يشعر بالقلق حول شيء ما، عندما يتوقع الكثير من أحد ما، ليتفاجأ بخيبة كل توقعاته. عندها ينكسر القلب إلى آلاف الأجزاء، التي لن تعود معًا ثانية. إن الحسرة وبناء التوقعات من الأسباب التي تقود للاكتئاب، وتؤذي المشاعر بعمق.
رسومات تعبر عن الاكتئاب: الرسومات الانتحارية
تحمل الرسومات التي تظهر شخصًا ما يجرح معصمه، أو يشنق نفسه مشاعر متداخلة، ورؤية ضبابية بضربات فنية. وتأتيفقط بالأسود والأبيض، أو ملونة. يمكن اعتباره انتحارًا مؤقتًا، أو فقدان أمل، أو خسارة، أو عزلة اجتماعية أو انفعال، أو معاناة من وحدة شديدة بسبب فقدان شخص عزيز، أو واجب عسكري، أو اضطراب أو ظروف اجتماعية أو مالية، أو عائلية.
قد يفاقم شرب أو الإدمان على الكحول/ المخدرات من التفكير بالانتحار، ويجعل الشخص يبدو بطيئًا أو غير مسؤول كفاية للتفاعل مع تفكير الآخرين. من الأسباب الشائعة للتفكير بالانتحار:
- فشل في تقبل الهزيمة نفسيًا.
- خدر نفسي.
- معاناة عاطفية شديدة.
- لوم النفس، أو الشعور بالذنب.
- الشعور بالغربة عن الآخرين، أو الوحدة.
- فقدان الشخصية، أو الفشل بتحقيق هدف.
- إحساس بانعدام المعنى، أو قيمة الوجود.
مشاهد طبيعية مظلمة، وحدة وانعدام الأمل
هدف الرسم هو إظهار الحزن. فالمياه الهائجة تشير إلى الغضب، بينما تعبر السماء الداكنة السوداء أو الزرقاء عن الكآبة.
رسومات تعبر عن الاكتئاب: الخوف والهلوسات
تتضمن بعض الرسومات وحوشًا، وتنانين، ومخلوقات خيالية غريبة في الظلام، إما فوق أو خلف الانسان، تؤرقه بالخوف، والقلق، وتشعره بانعدام الثقة بالنفس. إن الخوف من المخلوقات العجيبة تحت السرير، مقارنة بالأحلام، يطور أفكارًا مجردة وأكثر وضوحًا لديه مثل الرعب، ويبدأ بإدراكها. لكن يبقى من الصعب التفريق بين الحقائق والأوهام.
العيون الدامعة
يأخذ الاكتئاب عدة أشكال، أكثرها انتشارًا الدموع والبكاء. الانتحاب، البكاء بدون سبب، أو الحزن على أمور ثانوية لا تهم الشخص عادة. إن قلة الانتباه، أو خسارة من نحب، أو أي عامل يمكن أن يُرى بسهولة عبر الحزن أثناء البكاء. أيضًا من الأسباب الشائعة: الغضب، التعب، قلة التركيز، والإهمال.
التظاهر
يظهر في معظم الصور من يرتدون أقنعة لوجه سعيد، لكنها في الحقيقة تبين مدى ضآلة وتلاشي السعادة داخلهم. يبدو الشخص ممزقًا ووحيدًا من الداخل، لكن بطريقة ما، ونتيجة لظروف اجتماعية أو ضغوط، فإنه يدّعي السعادة، ويبتسم دائمًا. ما يستدعي التفكير:كيف يقدر الشخص على الظهور سعيدًا أثناء مواجهة المصاعب، بينما هو حزين في الواقع؟. ويقول إنه بخير ثم يغير قوله إلى: أنا مكسور القلب، ما يعكس الحزن وفي الوقت نفسه تصور مدى صعوبة خوض القتال عنده.
أمثلة رسومات تعبر عن الاكتئاب
فيما يلي ثلاث رسومات تعبر عن الاكتئاب، وعن طريقة معظمنا في المعاناة من شعور الاكتئاب. ينبغي أن تشجع هذه الصور عن الاكتئاب على إدراك أن هناك في الخارج الكثير من الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب، ويستخدمون رسم الاكتئاب، للتعبير عن ذواتهم، والتنفيس عما يعانوه.
- في هذا الرسم الحزين، نرى الشعور الذي يشكله الاكتئاب، وكأنه ألم ينتزع القلب، يلتف داخل عذاب ألم آخر، ويبدو أنه لا نهاية لهذه الآلام. هو رسالة تذكير بالحلقات والدوائر القاتمة الكئيبة الذي يمكن أن نتعرض لها جميعًا وندور فيها.
- في هذا الرسم المظلم، تظهر الألوان وهي تنزف من فتاة شابة تجثو على ركبتيها. هي تدل على ضياع البهجة والروح الذي يواجهه المصاب بالاكتئاب.
- نجد في صورة الاكتئاب هذه، هيكلًا عظميًا بدون لحم، فارغٌ من الداخل، تعبر عن فقدان الذات الداخلية عند المعاناة من الاكتئاب، وفي نفس الوقت، نرى الشخص يعانق نفسه. يوضح الرسم عناية معظم المكتئبين لأنفسهم أثناء فترة معاناتهم.
أخيرًا؛ يتطلب التعامل مع الاكتئاب عادة المزاوجة بين الأدوية وغيرها من العلاجات النفسية، كالعلاج بالتحدث، وهنا يظهر العلاج بالفن، كنوع مكمل، يضطلع بدور أساسي في المساعدة على الشفاء من أكثر أمراض العصر انتشارًا، من خلال رسم الاكتئاب، ودفع المريض إلى التنفيس عما يعتمر داخله من كآبة وحزن وقلق، يصدّرها على شكل صور أو تلوين، أو خربشات، ليزول معها ما يعانيه.