لا يقوم علاج جميع الأمراض على العلاج الدوائي، بل إن الأمر يتعدى هذا، حيث تتطلب بعض الحالات علاجًا نفسيًا أو فيزيائيًا معينًا. ومن هذا المبدأ، ونظرًا لأهمية علاج حالات نفسية معينة كالإدمان والوسواس القهري واضطرابات الكلام وغيرها؛ انتشر مفهوم إعادة التّأهيل بأشكاله المختلفة. وسنتعرف في مقالنا هذا على مفهومي إعادة التأهيل التخاطبي والسلوكي.
مفهوم إعادة التأهيل
يشير مفهوم إعادة التأهيل وفق منظمة الصحة العالمية WHO إلى مجموعة من الأنشطة والعلاجات التي تهدف إلى استعادة وتطوير قدرة الأفراد على المشاركة في مختلف الأنشطة الحياتية اليومية كالتعلم والعمل. كما تساعدهم للانطلاق نحو الحياة وتولي زمام أدوارهم بطريقة مجدية عبر معالجة الظروف المسببة لتراجع قدراتهم، كإصابة أحد الأفراد بمرض ما يجعله غير قادر على الحركة أو النطق بشكل صحيح.
بالإضافة إلى ذلك، فإن عملية إعادة التّأهيل تساعد في دعم الفرد وحثه على التغلب على الصعوبات المختلفة في مختلف المجالات كالتفكير، والرؤية، والتواصل، والتنقل، والسمع، وغيرها.
مفهوم إعادة التأهيل السلوكي
ترتبط عملية إعادة التأهيل السلوكي بالدماغ وربط العقل بالعواطف والسلوكيات المختلفة. فتركز على التغييرات الطارئة في طريقة شعور الناس وتعبيرهم عن مشاعرهم. فتساعد إعادة التأهيل السلوكي في تعليم هؤلاء كيفية إدارة مختلف تصرفاتهم غير الملائمة نحو مختلف الأشخاص المحيطين.
وعملية التأهيل السلوكي مصطلح شائع يشمل مختلف علاجات اضطرابات الصحة العقلية، لتحديد وتغيير السلوكيات التي تعتبر مدمرة أو مضرة بالذات أو غير صحية. ويقوم هذا العلاج على فكرة تعليم السلوكيات الصحيحة وتغيير غير الصحيحة.
وعادة ما ينصح الأطباء المختصون باللجوء إلى إعادة التأهيل السلوكي بقصد علاج الإدمان بأنواعه المختلفة: كإدمان الجنس، وإدمان الحب، وإدمان القمار، وإدمان المشروب، وإدمان المخدرات، وإدمان الأفلام الإباحية، وإدمان التسوق، وإدمان العمل، وإدمان الإنترنت وألعاب الفيديو، وإدمان الرياضة، وغيرها. بالإضافة إلى علاج الحالات التالية:
- الاكتئاب والقلق.
- اضطرابات الهلع.
- الغضب المفرط.
- اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
- الاضطراب ثنائي القطب.
- الإعاقة.
- الرهاب بجميع أنواعه.
- الوسواس القهري (OCD).
- إيذاء النفس، كالإقدام على الانتحار.
- اضطرب نقص/ فرط النشاط (ADHD).
- اضطراب الشخصية الحدية (BPD).
أنواع إعادة التأهيل السلوكي
تقوم عملية إعادة التأهيل السلوكي على مجموعة من العلاجات المختلفة، إذ يتطلب علاج كل حالة نوعًا محددًا من العلاجات التي تتوافق مع الحالة وتناسب التعامل معها. ويشتهر من أنواع علاجات إعادة التأهيل السلوكي ما يلي:
العلاج السلوكي المعرفي (Cognitive behavioral therapy)
أحد أكثر العلاجات شعبية واستخدامًا. فهو النوع الذي يجمع بين نوعي العلاج السلوكي والمعرفي. فيتركز على كيفية تأثير الأفكار والمعتقدات المختلفة لشخص ما على أفعاله وتصرفاته وطريقة تفكيره.
كما يتطرق إلى مجموعة المشاكل الحالية التي يعاني منها الفرد وتتخبط في داخله، فتؤثر عليه وعلى حياته الظاهرة؛ فتبحث في كيفية حلها بشكل جذري. هادفةً إلى تغيير طريقة تفكير الشخص وتصرفاته على المدى الطويل.
العلاج السلوكي المعرفي باللعب (Cognitive behavioral play therapy)
يستخدم العلاج السلوكي المعرفي باللعب كأحد علاجات إعادة التأهيل السلوكي عن الأطفال. ويقوم هذا العلاج على اللعب مع الأطفال ومشاهدتهم يلعبون بشكل طبيعي. وهو ما يساعد المعالج على فهم آلية تفكير الطفل، وكيفية تعبيره عن الأمور التي تدعوه للاضطراب وتزعجه.
وعادة ما يلجأ المعالج إلى مراقبة الطفل أثناء اختيار ألعابه، أو يمكن أن يطلب من الطفل رسم صورة ما أو استخدام الألعاب لتشكيل شيء ما.
إزالة التحسس المنهجي (System desensitization)
والذي يعتمد بشكل كبير على مفهوم التكييف الكلاسيكي، ويستخدم بشكل خاص في علاج الرهاب. إذ يعتمد فيه على تعليم الناس آلية استبدال الرهاب والخوف بالاسترخاء. فيبدأ المعالج عملية إعادة التأهيل السلوكي وفق هذه الطريقة بتعليم الشخص تقنيات الاسترخاء والتنفس، ثم يبدأ بتعريضه إلى عوامل يهابها المريض ببطء أثناء ممارسته لهذه التقنيات ليبدأ الاعتياد عليها.
العلاج النفوري (Aversion therapy)
والمعروف أيضًا باسم العلاج بالتبغيض. ويستخدم لعلاج حالات التعاطي والإدمان عبر تعليم الناس كيفية ربط المحفز المرغوب بمحفز آخر عكسي غير مرغوب؛ على سبيل المثال، قد يعطى المدمن على الكحول عقار Antabuse وهو دواء يسبب أعراضًا حادة تتمثل في الصداع والغثيان والقلق والقيء عند تناوله بالتزامن مع شرب الكحول.
فعالية إعادة التأهيل السلوكي
تعتمد آلية إعادة التّأهيل السلوكي على مجموعة من العوامل المختلفة كنوع العلاج المستخدم، والحالة المعالجة. إلا أنه وبشكل عام، وجدت مجموعة من الدراسات والأبحاث أن ما نسبته حوالي 67% من الأشخاص الذين يجربون علاج التأهيل السلوكي يستدركون نوعًا من التحسن الإيجابي تدريجيًا.
لكن هذا الأمر لا يعني أن العلاج السلوكي هو العلاج الوحيد للأمراض العقلية! كما أنه ليس العلاج الصحيح لكل حالة. فاضطرابات القلق، واضطرابات ما بعد الصدمة، واضطراب الهلع والوسواس القهري، والرهاب؛ جميعها حالات تتطلب علاجًا سلوكيًا.
إلا أنه وبعد البحث الدقيق، خلُص الباحثون إلى أن فعالية إعادة التّأهيل السلوكي في علاج إدمان المخدرات يمكن أن تختلف بحسب المادة التي يتعاطاها الفرد. كما بينت مجموعة من الاختبارات الآثار الجيدة للعلاج المعرفي السلوكي على بعض حالات الفصام.
مفهوم إعادة التأهيل التخاطبي
يواجه العديد من الأشخاص إعاقات أو أمراض معينة تقف حائلًا بينهم وبين ممارساتهم اللغوية اليومية، وتواصلهم السليم مع المحيط. وعادة ما يكون المسبب إحدى المشاكل السمعية أو العصبية المختلفة. وفي مثل هذه الحالة يلجأ المريض إلى إعادة التأهيل التخاطبي لكسر الجليد بينه وبين المجتمع المحيط، وإعادة إحياء لغته السليمة.
وتعتبر إعادة التأهيل التخاطبي نوعًا من أنواع العلاج النفسي الذي يدمج مجموعة من العلوم المختلفة المتمثلة في علم الأعصاب وعلم اللغويات وعلم النفس التنموي في بوتقة واحدة للوصول إلى النتائج المثلى. أما استخدامه الأبرز فيتركز في علاج اضطرابات الذات.
وتستند إعادة التّأهيل التخاطبي على فرضية أن التطور النفسي الأمثل والنضج العاطفي يحدث نتيجة تجارب مستقرة وسريعة الاستجابة مع العالم الخارجي. لذا تركز إعادة التّأهيل التخاطبي على بناء ثقة الفرد للتواصل مع المجتمع المحيط لغويًا.
أنواع إعادة التأهيل التخاطبي
يوجد العديد من الحالات التي يقوم علاجها على إعادة التأهيل التخاطبي، إلا أن لكل منها طريقة معينة في العلاج. وعادة ما يستخدم هذا النوع من العلاج لعلاج الفقدان الجزئي أو الكلي لانعدام القدرة على الحديث أو التعبير عن الكلمات المكتوبة أو المنطوقة. وعادة ما يكون السبب إما نتيجة مشاكل طفولية خُلقية في الكلام، أو نتيجة الإصابة بجلطات دماغية تؤثر في الباحة اللغوية في الدماغ.
وتهدف إعادة التأهيل التخاطبي إلى إنشاء وسائل التواصل الفعالة. وعادة ما يلجأ المعالج إلى اتباع طريقة التحفيز عبر تكرار مجموعة من الكلمات أمام المريض لإعادة نطقها. ويركز مفهوم إعادة التأهيل التخاطبي على الوعي الصوتي عبر تعميم تقنيات الصوت المستهدف في المحادثات اليومية.
وعادة ما يقوم على مجموعة خطوات علاجية تتمثل في:
- الخطابات الواضحة.
- الوعي السمعي والحركي للغات المنطوقة
- تضمين إيماءات التدريب الأساسية في الكلام.
- بناء العلاقات.
فعالية إعادة التأهيل التخاطبي
كشف تحقيق أولي تدعمه المعاهد القومية للصحة حول إعادة التأهيل التخاطبي، بحسب دراسة أجريت على 47 مريضًا يعانون من اضطرابات صوتية مفرطة مقارنة بمجموعة من المرضى الذين عولجوا عبر إحدى تقنيات إعادة التأهيل التخاطبي عن تحسينات كبيرة في إدراك المريض. وكشفت النتائج عن تحسينات في النتائج الصوتية والديناميكية السمعية والإدراكية الصوتية للمرضى بعد جلستين. وبدأت النتائج تتحسن طرديًا عبر مرور الوقت.
في النهاية، نجد أن العديد من الحالات المرضية أو شبه المريضة يمكن علاجها أو تخفيف آثارها عبر إعادة التأهيل السلوكي أو التخاطبي وغيرها من حالات إعادة التأهيل المختلفة.